الجمعة، 18 أكتوبر 2013

الـمــد والجــزر :












الـمــد والجــزر :
---------------


المد والجزر tides ارتفاع وانخفاض دوري periodic لكل مياه المحيطات بما في ذلك مياه البحار المفتوحة والخلجان، وعادة توجد موجتان متضادتان من المد والجزر تتعاقبان في دورة مستمرة في كل يوم قمري. ويبلغ متوسط طول اليوم القمري 24 ساعة و50 دقيقة و28 ثانية. وتبدو حركة المد والجزر واضحة خاصة بجوار الساحل Sahel، ويعرف أقصى ارتفاع يبلغه سطح البحر بالمد، وأدنى انخفاض باسم الجزر، ويقدر مدى الحركة بالمسافة الرأسية بين مستوى المياه في أقصى المد ومستواها في أدنى الجزر.

تحدث هذه العملية بسبب قوة جذب القمر والشمس للأرض centripetal force، وعلى الرغم من كبر حجم الشمس وعظم كتلتها بالنسبة للقمر إلا أن قوة جذب الشمس لمياه البحار والمحيطات على كوكب الأرض ضعيفة إذا ما قورنت بقوة جذب القمر لها، حيث تعادل قوة جاذبية الشمس 46% من قوة جاذبية القمر لمياه البحار والمحيطات على سطح الأرض، وذلك بسبب بعد الشمس عن الأرض مقابل قرب القمر منها، فتباين الحجم بين الشمس والقمر يُعوِّضه قصر المسافة بين الأرض والقمر، ويبقى تأثير الشمس مقتصراً على تقوية تأثير القمر أو إضعافه. ولكن عندما يقع القمر والشمس والأرض على استقامة واحدة يحدث ما يسمى بالمد العالي spring tide وهذه الحالة تحدث مرتين شهرياً، مرة حينما يكون القمر في المحاق new moon، بهذه الحالة يكون جذب القمر والشمس للماء في اتجاه واحد، والمرة الثانية حينما يكون القمر بدراً full moon وحينئذ يكون جذب القمر والشمس في اتجاهين متقابلين، وفي كلتا الحالتين يتعاون جذب كل من القمر والشمس في جذب ورفع المياه عالياً على الشواطئ.

أمّا إذا وقع القمر والشمس على طول ضلعي زاوية قائمة رأسها مركز الأرض فتضُعف أو تُقلل قوة جذب الشمس solar tides، من تأثير قوة جذب القمر lunar tides، للمسطحات المائية على الأرض، وعلى ذلك يقل منسوب المد، ويعرف في هذه الحالة باسم الجزر المنخفض neap tides، وهذا يحصل مرتين في الشهر القمري: الأولى في الأسبوع الأول والثانية في الأسبوع الثالث.

يتباين مدى ارتفاع المد تبايناً كبيراً في مختلف جهات العالم، فقد يعلو ويرتفع في جهة ما إلى حد كبير، في حين يضمحل ولا يكاد يحس به أحد في بقعة أخرى، وأقصى ارتفاع يبلغه المد في العالم يحدث في خليج فندي Fundy في كندا حيث يصل إلى 15متراً، ويزيد في ليفربول على 9 أمتار، وفي جهات أخرى ترتفع وتنخفض المياه بهدوء ولا يزيد فيها الفرق بين المد والجزر على 30سم ومنها البحر المتوسط.

وتساعد تيارات المد والجزر حركة الملاحة، ولكل ميناء توقيت معين لدخول السفن وخروجها منه، يتفق مع نظام حركة المد والجزر، إذ تستطيع السفن الاقتراب من الأرصفة لإجراء عمليات الشحن والتفريغ في وقت حدوث المد، ثم تسرع في الابتعاد عنها حينما يحل الجزر، حتى لا تجنح في القاع حينما تنحسر المياه. ويصبح خطر موجات المد شديداً في الخلجان والممرات المائية الضيقة، وخاصة حينما تعترض مسار المد رياح أو أمواج مضادة. ففي منطقة جزر ألوشيان، حيث توجد بعض المضايق، التي تستخدمها السفن في رحلتها بين المحيط الهادئ وبحر بيرنغ، يشتد خطر التيارات المائية، التي قد تلقي بالسفن فجأة وعلى غير انتظار بعيداً عن مسارها الطبيعي فتصطدم بالصخور.

وهناك عوامل طبيعية أخرى تُخرج ظاهرة المد والجزر من دائرة النظام الفلكي الدقيق، مثل الرياح واتجاهها، فإذا هبت الرياح في اتجاه الشاطئ فإنها تسرع بتيارات الماء دخولاً في الخلجان، فيرتفع المد أكثر من المقدر له حسابياً، كما أنه يحدث قبل ميعاده، وقد تجعله يستمر في ارتفاعه مدة طويلة، ويكون العكس إذا هبت الرياح نحو البحر، فتؤخر من حدوثه وتقلل من ارتفاعه. وللضغط الجوي أيضاً تأثير في ارتفاع الماء، فهناك علاقة عكسية بينهما، بمعنى أنه إذا ارتفع الضغط، انخفض الماء، والعكس صحيح. وارتفاع عمود الزئبق سنتيمتراً واحداً في البارومتر يعادل انخفاض 13 سنتيمتراً في منسوب سطح الماء.

وفي هذا المجال يذكر أن الكندي (القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي) انفرد برسالة مستقلة في علة المد والجزر ذكر فيها أسبابه وأنواعه، فعرّف نوعين من المد أحدهما المد الطبيعي وعرفه بأنه: «استحالة الماء من صغر الجسم إلى عظمه». والثاني المد العرضي وعرفه بأنه: «زيادة الماء بانصباب مواد فيه»، كما في الأنهار والأودية والفيوض التي أصلها من الأنهار، وأشار إلى أن مثل هذا المد لا تظهر فيه زيادة، وذلك لصغر قدر المياه المضافة إليه من الأنهار وغيرها، بالمقارنة مع مياه البحار، وكذلك بسبب البخر الواقع لها، ولقد قسم الكندي المد الطبيعي إلى ثلاثة أنواع:

الأول: المد السنوي وهو الزيادة في مياه البحار في وقت محدد من السنة في موضع دون موضع، حسب حركة الأجرام السماوية.

الثاني: المد الشهري، وهو يحدث حسب تغير أوضاع القمر في دورانه حول الأرض.

الثالث: المد اليومي وهو واقع لتأثير ضوء القمر عليه، فيبتدئ مده مع طلوع القمر عليه، ويبتدئ جزره حين يبتدئ زوال القمر عن سمت رؤوس أهله.

وفي منتصف القرن العشرين بدأ استخدام الطاقة المنبعثة من المد والجزر في إنتاج الكهرباء، وفي هذه الحالة يتم بناء محطة توليد الطاقة عند مصبات الأنهار، وعند تدفق الجزر القادم من النهر يمر عبر سد، ويقوم بدفع التوربينات ثم يحبس الماء خلف هذا السد، وعندما يمتد الجزر، ينطلق الماء المحبوس ويتدفق عبر السد فيدفع التوربينات مرة أخرى. وتعمل مثل هذه المحطات بكفاءة إذا كان الفارق بين أعلى قيمة للجزر وأقل قيمة له نحو 8.5 متر، وهناك نحو ست جهات من العالم يزيد فيها ارتفاع المد على 12 متراً، وهي بورتو غاليغوس Puerto Gallegos في الأرجنتين، وخليج كوك Cook في آلاسكا، وخليج فروبيشر Frobisher في مضيق ديفز Davis، ومصب نهر كوكسوك Koksoak في خليج هدسون، وخليج سان مالو St.Malo في فرنسا.

وتختلف استجابة المياه لمدى المد على أبعاد متقاربة، فعند النهاية الشرقية لقناة بنما، لا يتعدى مدى حركة المد والجزر 60سم على الأكثر، بينما يرتفع المدى إلى نحو خمسة أمتار عند نهايتها الغربية في المحيط الهادئ. وفي بحر أخوتسك Okhotsk، يختلف مدى المد أيضاً في مختلف أجزائه، ففي معظم مياه البحر لا يزيد المدى على 60سم، لكنه في بعض أجزائه يصل الفرق بين مستوى المد والجزر إلى نحو ثلاثة أمتار.

المــراجــــع
------------
ـ حسن أبو العينين، دراسات في جغرافية البحار والمحيطات (الطبعة الثامنة، الإسكندرية 1989).

ـ شاهر جمال آغا، جغرافية البحار والمحيطات (منشورات جامعة دمشق، دمشق 1989).

- E.BIRD, Costal Geomorphology: An Introduction (John Wiley & Sons, Chichester 2000).

- D.BRIGGS, et al., Fundamentals of Physical Geography (Routledge, London 1997).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق